الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قال عِيَاضٌ: اعلم أَنَّ مَنْ أَحبَّ شيئًا، آثره، وآثر موافقته، وإِلا لم يكن صادقًا في حُبِّه، وكان مدَّعيًا، فالصادقُ في حبِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مَنْ تظهر علاماتُ ذلك عليه، وأولُها الاِقتداءُ به، واتباع سنَّته، واتباع أقوالِهِ وأفعالِهِ، والتأدُّبُ بآدابه في عُسره ويُسْره؛ قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني} الآية، قال عِيَاضٌ: رُويَ في الحديثِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أنه قَالَ: «مَنِ استمسك بِحَدِيثِي، وَفَهِمَهُ وَحَفِظَهُ، جَاءَ مَعَ القُرْآنِ، وَمَنْ تَهَاوَنَ بالقُرْآنِ، وَحَدِيثِيَ، خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ...» الحديثَ، وعن أبي هريرةَ (رضي الله عنه)، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «المُسْتَمْسِكُ بسُنَّتِي عِنْدَ فَسَادِ أُمَّتِي، لَهُ أَجْرُ مِائَةِ شَهِيدٍ»، وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: «عليكُمْ بالسبيلِ والسُّنَّةِ، فإِنه ما على الأرضِ مِنْ عَبْدٍ على السبيل والسُّنَّة، ذَكَر الله في نَفْسِهِ، ففاضَتْ عيناه مِنْ خَشْية ربه، فيعذِّبه الله أبدًا، وما على الأرضِ مِنْ عبدٍ على السبيلِ والسُّنَّةِ، ذَكَرَ الله في نَفْسه، فاقشعر جِلْدُهُ مِنْ خَشْية الله، إلا كان مَثَلُهُ كَمَثَلِ شجرة، قَدْ يَبِسَ ورَقُهَا، فهي كَذَلِكَ؛ إِذ أصابتها ريحٌ شديدةٌ فتحاتَّ عنها ورقُها إِلاَّ حَطَّ الله عنه خَطَايَاهُ؛ كما تَحَاتَّ عن الشجرة وَرَقُهَا» الحديث.قال عِيَاضٌ: ومن علامات محَبَّته صلى الله عليه وسلم: زُهْدُ مدَّعيها في الدُّنْيا، وإِيثاره الفَقْر، واتصافه به؛ ففي حديثِ أبي سَعِيدٍ: «إِنَّ الفَقْرَ إلى مَنْ يُحِبُّنِي مِنْكُمْ أَسْرَعُ مِنَ السَّيْلِ مِنْ أَعْلَى الوَادِي، أَوِ الجَبَل إلى أَسْفَلِهِ»، وفي حديثِ عبدِ الله بْنِ مُغَفَّلٍ: قال رجُلٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ الله، إنِّي أُحِبُّكَ، فَقَالَ: «انظر مَا تَقُولُ؟» قَالَ: وَالله لأُحِبُّكَ؛ ثَلاَثَ مَرَّات؛ قَالَ: «إِنْ كُنْتَ تُحِبُّنِي، فَأَعِدَّ لِلفَقْرِ تَجْفَافًا»، ثم ذكر نَحْوَ حديثِ أبِي سَعِيدٍ بمعناه. اهـ من الشِّفَا بتصرف يسير.
.فوائد بلاغية: .قال أبو حيان: قيل: وفي هذه الآيات من ضروب الفصاحة وفنون البلاغة الخطاب العام الذي سببه خاص.وفي قوله: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين} والتكرار، في قوله: {المؤمنون}، {من دون المؤمنين}، وفي قوله: {من الله}، {ويحذركم الله نفسه}، {وإلى الله}، وفي: {يعلمه الله}، {ويعلم}، وفي قوله: {يعلمه الله}، {والله على}، وفي قوله: {ما عملت}، {وما عملت}، وفي قوله: {الله نفسه}، {والله}، وفي قوله: {ويحذركم الله}، {والله روؤف}، وفي قوله: {تحبون الله}، {يحببكم الله}، {والله غفور}، {قل أطيعوا الله}، {فإن الله}.والتجنيس المماثل في: {تحبون} و{يحببكم}، والتجنيس المغاير في: {تتقوا منهم تقاة}، وفي {يغفر لكم}، و{غفور}.والطباق في: {تخفوا} و{تبدوه}، وفي: {من خير} و{من سوء}، وفي: {محضرًا} و{بعيدًا}.والتعبير بالمحل عن الشيء في قوله: {ما في صدوركم}، عبر بها عن القلوب، قال تعالى: {فإنها لا تعمى الأبصار} الآية.والإشارة في قوله: {ومن يفعل ذلك} الآية.أشار إلى انسلاخهم من ولاية الله.والاختصاص في قوله: {ما في صدوركم}، وفي قوله: {ما في السموات وما في الأرض}.والتأنيس بعد الإيحاش في قوله: {والله رؤوف بالعباد}. اهـ..قال في صفوة التفاسير: البلاغة:1- الطباق في مواضع مثل: {تؤتي} و{تنزع} و{تعز} و{تذل} و{الليل} و{النهار} و{الحي} و{الميت} و{تخفوا} و{تبدوا} وفي {خير} و{سوء} و{محضرا} و{بعيدا}.2- والجناس الناقص في {مالك الملك} وفي {تحبون} و{يحببكم} وجناس الاشتقاق بين {تتقوا} و{تقاة} وبين {يغفر} و{غفور}.3- رد العجز على الصدر في {تولج الليل في النهار} و{تولج النهار في الليل}.4- التكرار في جمل للتفخيم والتعظيم كقوله: {تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء}.5- الايجاز بالحذف في مواطن عديدة كقوله: {تؤتي الملك من تشاء} أي من تشاء ان تؤتيه ومثلها وتنزع، وتعز، وتذل.6- {تولج الليل في النهار} قال في تلخيص البيان: وهذه استعارة عجيبة وهي عبارة عن ادخال هذا على هذا، وهذا على هذا، فما ينقصه من الليل يزيده في النهار والعكس، ولفظ الايلاج ابلغ لانه يفيد ادخال كل واحد منهما في الاخر بلطيف الممازجة وشديد الملابسة.7- {تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي} الحى والميت مجاز عن المؤمن والكافر فقد شبه المؤمن بالحي والكافر بالميت (هذا على رأى من فسر الآية بالوجه الاخر، وهو أن المراد يخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، ويدل عليه قوله تعالى: {أو من كان ميتا فأحييناه} وهو قول الحسن البصرى، والله اعلم. اهـ..فوائد لغوية وإعرابية: قال ابن عادل:قرأ العامة {تُحِبُّونَ}- بضم حرف المضارعة، من أحَبَّ وكذلك {يُحْبِبْكُمُ الله}.وقرأ ابو رجاء العُطَارِديّ {تَحِبُّون}، {يَحْبِبْكم} بفتح حرف المضارعة- من حَبَّ- وهما لغتان، يقال حَبَّه يَحُبُّه- بضم الحاء وكسرها في المضارع- وأحَبَّهُ يُحبُّهُ.وحكى أبو زيد: حَبَبْتُهُ، أحِبُّه.وأنشد:ونقل الزمخشريُّ: قراءة يحبكم- بفتح الياء والإدغام- وهو ظاهر، لأنه متى سكن المثلين جَزْمًا، أو وقْفًا جاز فيه لغتان: الفك والإدغام. وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله في المائدة.والحُبّ: الخَابِيَة- فارسيّ مُعَرَّب- والجمع: حِباب وحِبَبَة، حكاه الجوهريُّ.وقرأ الجمهور {فَاتَّبِعُونِي} بتخفيف النون، وهي للوقاية.وقرأ الزُّهري بتشديدها، وخُرِّجَتُ على أنه ألحق الفعل نون التأكيد، وأدغمها في نون الوقاية وكان ينبغي له أن يحذف واوَ الضمير؛ لالتقاء الساكنين، إلا أنه شبَّه ذلك بقوله: {أتحاجوني} وهو توجيه ضعيف ولكن هو يصلح لتخريج هذا الشذوذ.وطعن الزجاجُ على من روى عن أبي عمرو إدغام الراء من {يغفر} في لام {لكم}.وقال: هو خطأ وغلط على أبي عمرو. وقد تقدم تحقيقه، وأنه لا خطأ ولا غلط، بل هو لغة للعرب، نقلها الناس، وإن كان البصريون لا يُجِيزون ذلك كما يقول الزجاج. اهـ. .من لطائف وفوائد المفسرين: .من لطائف القشيري: {تُحِبُّونَ اللهَ} فرق، و{يُحْبِبْكُمُ اللهُ} جمع.{تُحِبُّونَ اللهَ} مشوب بالعلة، و{يُحْبِبْكُمُ اللهُ} بِلا عِلّة، بل هو حقيقة الوصلة. ومحبة العبد لله حالة لطيفة يجدها من نفسه، وتحمله تلك الحالة على موافقة أمره على الرضا دون الكراهية، وتقتضي منه تلك الحالة إيثاره سبحانه على كل شيء وعلى كل أحد.وشرطُ المحبةِ ألا يكون فيها حظٌّ بحال، فَمنْ لم يَفْنَ عن حظوظه بالكلِّية فليس له من المحبة شظيَّة.ومحبة الحق للعبد إرادته إحسانَه إليه ولطفَه به، وهي إرادةُ فضلٍ مخصوص، وتكون بمعنى ثنائه سبحانه عليه ومدحه له، وتكون بمعنى فضله المخصوص معه، فعلى هذا تكون من صفات فعله.ويقال شرط المحبة امتحاء كليتك عنك لاستهلاكك في محبوبك، قال قائلهم:وهذا فرق بين الحبيب والخليل؛ قال الخليل: {فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنِّى} [إبراهيم: 36].وقال الحبيبُ: {فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللهُ}.فإن كان مُتَّبعُ الخليل منه إفضالًا فإن متابعَ الحبيبِ محبوبُ الحقِّ سبحانه، وكفى بذلك قربة وحالًا.ويقال قطع أطماع الكافة أن يسلم لأحدٍ نفس إلا ومقتداهم وإمامهم سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وسلم.ويقال في هذه الآية إشارة إلى أن المحبة غير معلولة وليست باجتلاب طاعة، أو التجرد عن آفة لأنه قال: {يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} بيَّن أنه يجوز أن يكون عبد له فنون كثيرة ثم يحبُّ اللهَ ويحبُّه الله.ويقال قال أولًا: {يُحْبِبْكُمُ اللهُ} ثم قال: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} والواو تقتضي الترتيب ليُعْلَمَ أَنَّ المحبةَ سابقةٌ على الغفران؛ أولًا يحبهم ويحبونه (وبعده) يغفر لهم ويستغفرونه، فالمحبة توجِب الغفرأن لان العفو يوجب المحبة.والمحبة تشير إلى صفاء الأحوال ومنه حَبَبُ الأسنان وهو صفاؤها.والمحبة توجب الاعتكاف بحضرة المحبوب في السر.ويقال أحب البعير إذا استناخ فلا يبرح بالضرب.والحبُّ حرفان حاء وباء، والإشارة من الحاء إلى الروح ومن الباء إلى البَدَن، فالمُحِبُّ لا يَدَّخِر عن محبوبه لا قلبَه ولا بَدَنَه. اهـ. .قال ابن رجب: قول لا إله إلا الله تقتضي أن لا يحب سواه فإن الإله هو الذي يطاع فلا يعصي محبة وخوفا ورجاء ومن تمام محبته محبة ما يحبه وكراهة ما يكرهه فمن أحب شيئا مما يكرهه الله أو كره شيئا مما يحبه الله لم يكمل توحيده وصدقه في قول لا إله إلا الله وكان فيه من الشرك الخفي بحسب ما كرهه مما يحبه الله وما أحبه مما يكرهه الله.قال الله تعالى: {ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم}.قال الليث عن مجاهد في قوله: {لا يشركون بي شيئا} قال لا يحبون غيري.وفي صحيح الحاكم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء وأدناه أن تحب على شيء من الجور أو تبغض على شيء من العدل.وهل الدين إلا الحب والبغض؟!قال الله عز وجل: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}.وهذا نص في أن محبة ما يكرهه الله وبغض ما يحبه متابعة للهوى والموالاة على ذلك والمعاداة فيه من الشرك الخفي.وقال الحسن: اعلم أنك لن تحب الله حتى تحب طاعته، وسئل ذو النون متى أحب ربي؟قال إذا كان ما يبغضه عندك أمر من الصبر.وقال بشر بن السري ليس من أعلام الحب أن تحب ما يبغض حبيبك.وقال أبو يعقوب النهر جوري كل من ادعى محبة الله ولم يوافق الله في أمره فدعواه باطلة.وقال يحيى بن معاذ: ليس بصادق من ادعى محبة الله ولم يحفظ حدوده.وقال رويم المحبة الموافقة في جميع الأحوال وأنشد:ويشهد لهذا المعنى أيضا قوله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}.قال الحسن قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا نحب ربنا حبا شديدا فأحب الله أن يجعل لحبه علما فأنزل الله تعالى هذه الآية.ومن هاهنا يعلم أنه لا تتم شهادة أن لا إله إلا الله إلا بشهادة أن محمدا رسول الله فإنه إذا علم أنه لا تتم محبة الله إلا بمحبة ما يحبه وكراهة ما يكرهه فلا طريق إلى معرفة ما يحبه وما يكرهه إلا من جهة محمد المبلغ عن الله ما يحبه وما يكرهه باتباع ما أمر به واجتناب ما نهى عنه فصارت محبة الله مستلزمة لمحبة رسوله صلى الله عليه وسلم وتصديقه ومتابعته ولهذا قرن الله بين محبته ومحبة رسوله في قوله تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم} إلى قوله: {أحب إليكم من الله ورسوله} كما قرن طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة.وقال صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب اليه مما سواهما وأن يحب الرجل لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقده منه كما يكره أن يلقى في النار.هذه حال السحرة لما سكنت المحبة قلوبهم سمحوا ببذل النفوس وقالوا لفرعون {اقض ما أنت قاض}.ومتى تمكنت المحبة في القلب لم تنبعث الجوارح إلا إلى طاعة الرب وهذا هو معنى الحديث الآلهي الذي خرجه البخاري في صحيحه وفيه: ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها.وقد قيل إن في بعض الروايات فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي.والمعنى أن محبة الله إذا استغرق بها القلب واستولت عليه لم تنبعث الجوارح إلا إلى مراضي الرب وصارت النفس حينئذ مطمئنة بارادة مولاها عن مرادها وهواها.يا هذا اعبد الله لمراده منك لا لمرادك منه فمن عبده لمراده منه فهو ممن يعبد الله على حرف إن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ومتى قويت المعرفة والمحبة لم يرد صاحبها إلا ما يريد مولاه.وفي بعض الكتب السالفة: من أحب الله لم يكن شيء عنده آثر من رضاه ومن أحب الدنيا لم يكن شيء عنده آثر من هوى نفسه.وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن الحسن قال: ما نظرت ببصري ولا نطقت بلساني ولا بطشت بيدي ولا نهضت على قدمي حتى أنظر على طاعة الله أو على معصيته فإن كانت طاعة تقدمت وإن كانت معصية تأخرت.هذا حال خواص المحبين الصادقين فافهموا رحمكم الله هذا فإنه من دقائق أسرار التوحيد الغامضة. اهـ. .قال أبو طالب المكي: المحبة من أعلى مقامات العارفين، وهي إيثار من الله تعالى لعباده المخلصين ومعها نهاية الفضل العظيم، قال الله جلت قدرته: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُونَهُ} المائدة: 54 ثم قال تعالى: {ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤتيهِ مَنْ يَشاءُ} الحديد: 21 وهذا الخبر متصل بالابتداء في المعنى لأنّ الله تعالى وصف المؤمنين المحبين بفضله عليهم، وما اعترض بينهما من الكلام فهو نعت المحبوبين، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما كان الله ليعذب حبيبه بالنار، وقال الله عزّ وجلّ مصداق قول نبيه عليه السلام، ردًّا على من ادعى محبته واحتجاجًا عليهم: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذنُوبِكُمْ بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} المائدة: 18 وقال زيد بن أسلم: إنّ الله ليحب العبد حتى يبلغ من حبه له أن يقول: اصنع ماشئت فقد غفرت لك، وروينا عن إسماعيل بن أبان عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أحب الله عبدًا لم يضره ذنب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ثم تلا: إنّ الله يحب التوّابين ويحب المتطهرين، وقد اشترط الله للمحبة غفران الذنوب بقوله تعالى: {يُحْبِبْكُمْ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} آل عمران: 31 فكل مؤمن بالله فهو محب للّه، ولكن محبته على قدر إيمانه، وكشف مشاهدته وتجلي المحبوب له على وصف من أوصافه، دليل ذلك استجابتهم له بالتوحيد والتزام أمره وتسليم حكمه، ثم تفاوتهم في مشاهدات التوحيد، وفي دوام الالتزام للأوامر وفي تسليم الأحكام، فليس ذلك يكون إلا عن محبة، وإنّ تفاوت المحبون على حسب أقسامهم من المحبوب، وليس يقصر عن المحبة صغير كما لا يصغر عن المعرفة من عرف، ولا يكبر عن التوبة كبير ولو كان على كل العلوم قد أوقف، لأنّ الله تعالى وصف المؤمنين بشدة الحبّ له فقال تعالى: {وَالَّذينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للّه} البقرة: 165 وفي قوله أشدّ دليل على تفاوتهم في المحبة لأنّ المعنى أشدّ فأشدّ ولم يقل شديد، والحب للّه، فأشبه هذا الخطاب قوله تعالى: {إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقاكُمْ} الحجرات: 13 فدلّ على تفاوتهم في الإكرام على قدر تفاضلهم في التقوى ولم يقل: إنّ الكرام المتقون.
|